Main menu

Pages

التعصب آفة يجب البعد عنها




عاشت الإنسانية على ما تعتقد أنه “حقائق ذاتية” تتعصب لها بلا تفكير، فترة أطول مما عاشت على “حقائق موضوعية” تتناقش فيها بالحجة والبرهان؛ بل إن عدد أولئك الذين يقتنعون بآراء ومواقف يتعصبون لها دون نقد أو اختبار في عالمنا المعاصر، يفوق بكثير أولئك الذين لا يقبلون الرأي إلا بعد اختياره بالعقل.

إن المعركة الطويلة من أجل إقرار مبدأ التسامح مستمرة، فظاهرها يبدو أن التسامح قد تغلب على التعصب منذ أن أحرز العلم انتصاراته الكبرى في العصر الحديث؛ ولكن الحقيقة للأسف غير ذلك، فما زال التعصب كامنًا في النفوس حتى في أكثر البيئات انفتاحًا. هذا وحده دليل على أن معركة العقل ضد التعصب لم تنته بعد، وأن الإنسانية ما تزال في حاجة إلى مجهوداتٍ أكبر لاستئصال هذه الآفة من الجذور.

1- مفهوم التعصب:


التعصب حكمٌ مسبقٌ لا أساس له، ينشأ دون توافر الأدلة الموضوعية أحيانًا، كما قد يكون هذا الحكم إيجابي(بالتفضيل)، وسلبي (بعدم التفضيل)، ويقوم على أساس مجموعةٍ من المعتقدات أو التصورات أو القوالب النمطية أو التعميمات المفرطة، ويوجه التعصب عملية التفاعل الاجتماعي بين الأفراد أو بين المجتمعات.

2- أسباب التعصب:


تعتبر أسباب التعصب ما يعرف (بالتحيز) مشتركة بين جميع أنواع التعصب، لذلك حاولنا جمعها من خلال بعض الأبحاث، من بينها: محاضرة الدكتور ميسرة طاهر بعنوان:” جذور التطرف والتعصب“، وحسب رأي العالم:” ألبرت جوردن بالإضافة إلى تصفحنا لبعض البحوث وجدنا أن أسباب التعصب تنقسم إلى قسمين:


فهناك أسباب ترتبط بالفرد نفسه، (أي بتكوينه النفسي)، أو أسباب ترتبط بما يحيط الفرد من جوانب اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية وفكرية:
اضطراب الأسرة: تعد الأسرة في بعض الأوقات سبب رئيسيًا للتعصب، بحيث إذا نشأ الطفل في بيئةٍ غير مستقرة، ومليئة بالعديد من المشكلات والاضطرابات، كتسلط أحد الأبوين على الآخر، فهذا بدوره يؤدي بلا شك إلى نشوء أبناء منطوين أو عدائين تجاه الآخرين، وفي هاتين الحالتين لا يعتدون إلا برأيهم ولا يثقون بغيرهم. فالنشأة في الأسرة بطريقة غير متوازنة فمثلاً، تميز اللون، الجنس، القبيلة، الجماعة، أو الفكر يغذي روح التعصب والتطرف، ضد الآخر تنتج لنا أناسًا متعصبين ومتحجرين ومتطرفين فالأسرة هي نواة المجتمع، وتأثير تنشئتها لا بد وأن يظهر في المجتمع، وقد يغلب فيكون التعصب هو الصبغة العامة له.
قلة العلم والجهل والتخلف المعرفي: فالجهل بالآخر وعدم توسيع المدارك بمعرفته، والاطلاع على ما يؤمن به، يدعوه إلى التعصب ضده ورفضه. مثل التعصب ضد أناس من طائفة أو دين معين دون التعرف عليهم أو على حقيقة دينهم. فالعلم وسيلة لتوعية الأفراد ونقلهم إلى مرتبة عالية من الأدب، وعكس ذلك أي قلة العلم، فهو من أسباب التعصب.
غياب الحريات: المقصود بها، هو غياب وانعدام الأفق السياسية والتي تسمح بالتعددية والحوار وقبول الآخر، وإطلاق المواهب والأفكار من سجن الخوف والريبة.
الانغلاق على الذات: إذا سئلنا كيف تنشأ الأفكار العصبية؟ سنقول إنها تنشأ من تعصب جماعة ما لنفسها وعدم انفتاحها مع الجماعات الأخرى وانغلاق الجماعة فقط مع نفسها. مما ينتج عنه أفكار متطرفة وأشخاص متعصبين.
تضخيم الذات: (الأنا). عند بعض البشر وظنهم أن معهم الحق المطلق في أي خطوة أو رأيٍ، ورفض أي مخالف لآرائهم وأفكارهم، ويتجاهلون أن هناك طرقًا مختلفة للوصول إلى الحق.
الشعور بالنقص الذاتي: كذلك الشعور بالدونية عادةً ما يجعل الشخص يتعصب لأي شي قد يجد فيه ما يكمل نقصه.
تلبية المصالح الشخصية من مال أو جاه أو غيره: وذلك من خلال الاستفادة ممن نتعصب له، فنسوق له وندافع عنه، سواء أكان شخصًا، حزبًا، أو دولةً، وذلك للحصول على المصالح الشخصية.
غياب العدل والمساواة في بعض المجتمعات: ينتج عنه التعصب والميل للعدوان للحصول على الحقوق.
غياب القدوات والمثل العليا الوسطية.
عدم قيام المؤسسات التربوية (الأسرة، المدرسة، المسجد) بدورها في تنمية مفاهيم تقبل الأخر.
الأصدقاء: لهم دور في تنمية هذا الاتجاه فالشخص يكتسب منهم اتجاهاته وقيمه وسلوكه وشأن التعصب في ذلك شأن بقية الاتجاهات والمعايير من حيث يمكن اكتسابه من الأصدقاء المتعصبين أو الداعمين لذلك
الحاجات الإقتصادية: تندرج هذه الحاجة تحت التعصب لسلبياتها فالشخص الذي يعيش تحت ظروف الفقر يجبر بعضهم إلى سؤال الغني والذي قد يحتقره أو يتكبر عليه بشكل علني، مما يتيح لبعضٍ من الفقراء إلى الاعتقاد أن له حقًا لدى الغني، فيحلل له الانخراط في النهب والتعدي على الآخرين بدعوى التحرر من الفقر واشباع رغباته

3- أنواع التعصب:

3.1- رهاب الأجانب:


يعرف قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية كراهية الأجانب على أنها خوف غير صحي من الأجانب أو الدول الأجنبية. يمكننا أن نقول أيضًا إنه نوع من الاشمئزاز تجاه أشخاص لا نعرفهم أو من دولة أجنبية. هذا الخوف غير منطقي لأنه لا يعتمد بالضرورة على أي تجربة ملموسة للتهديد الذي يشكله الأجانب. رهاب الأجانب هو تحيز ينشأ عن الاعتقاد الخاطئ بأن الأشخاص من البلدان أو المجموعات أو الثقافات أو اللغات الأخرى يشكلون تهديدًا.

يرتبط رهاب الأجانب ارتباطًا وثيقًا بالعنصرية: فكلما اعتبر الآخر “مختلفًا”، كلما كان الخوف والمشاعر السلبية أقوى. رهاب الأجانب هو أحد أكثر أشكال وأسباب التمييز شيوعًا. (المصدر 1)

2.3- التعصب القائم عن الدين:


إن حرية الدين والتسامح الديني قيم أساسية موجودة في جميع البلدان تقريبا. ومع ذلك، لم تختف أعمال التمييز على أساس الدين فغالبًا ما يرتبط التعصب الديني بالعنصرية وكره الأجانب. يظهر هذا النوع من التعصب في اتخاذ الدين قناعا لكل الأفعال القاسية التي يرتكبها المتعصب. من الصعب انتزاع أو تغيير الأفكار التي تنقل من خلال الدين عبر الأجيال، فعلى الرغم من ضعف تأثير الدين نسبيا في العصر الحديث؛ فلا يزال الاستعلاء الديني هو ما يلهم الكثير من صور التعصب.

3.3- التمييز الجنسي:


تعتبر المساواة بين الجنسين ضرورية لإعمال حقوق الإنسان بالنسبة للجميع. إلا أن القوانين التمييزية ضد المرأة متواجدة في كل ركن من أركان الكرة الأرضية، ويجري سن قوانين تمييزية جديدة. ولا يزال الكثير من القوانين في جميع الأعراف القانونية تعين للنساء والفتيات وضع المرتبة الثانية فيما يتعلق بالمواطنة والجنسية والصحة والتعليم والحقوق الزوجية والحق في الاستخدام وحقوق الوالدين وحقوق والملكية. ولا تتوافق هذه الأشكال من التمييز ضد المرأة مع تمكين المرأة.

وتشكل النساء غالبية أفقر أهل العالم، وقد ازداد عدد النساء اللاتي يعشن في الفقر الريفي بنسبة 50% منذ عام 1975. وتعمل النساء ثلثي عدد ساعات العمل في العالم وينتجن نصف غذاء العالم، إلا أنهن يكسبن 10% فقط من الدخل في العالم ويملكن أقل من 1% من الملكية في العالم (المصدر 2 – جميع الأرقام مقدمة من مؤشر التنمية العالمية الخاص بالبنك الدولي). ويتفشى العنف ضد المرأة في كافة أنحاء العالم وفي جميع الثقافات بمستوى لا يمكن تخيله، وكثيرا ما يكون نفاذ المرأة إلى العدالة مقترنا بعقبات تمييزية في القانون وفي الممارسة على حدً سواء.

4.3- التمييز العنصري:


يشمل التمييز العنصري أي تمييز أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الجنسية أو الأصل العرقي الذي يهدف أو يؤدي إلى إبطال الاعتراف أو التمتع أو المساس بممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية على قدم المساواة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو في أي مجال آخر من الحياة العامة.

5.3- التعصب الرياضي:


إن أغلب مشاكل التعصّب الرّياضي قد تنحصر في رياضتي الركبي وكرة القدم، فيما عدا بعض الحالات الاستثنائيّة في الأنشطة الرّياضيّة الأخرى، وبناءً على ذلك أجرى الباحثان في الدّراسات الرّياضيّة بول غاو Paul Gow وجويل روكوود Joel Rookwood من جامعة ليفربول هوب دراسة في نهاية العشريّة ما قبل الأخيرة من القرن الواحد والعشرين وتحديدًا عام 2008 كان مقتضى هذه الدّراسة أنّ التعصّب الرّياضي في كرة القدم والمشاركة في عنف كرة القدم يمكن إرجاعها إلى عدد معيّن من العوامل التي تدفع المرء إلى هذا الأمر، والتي تتعلّق بالتفاعل والهويّة والشرعيّة والسلطة. كما يعتقد الباحثان أنّ التعصّب الرياضي ينتج عن العلاقات العاطفيّة القويّة من المشجع للفريق الذي يشجعه، ممّا يساعد على تعزيز الشّعور بالانتماء والهويّة التشجيعيّة، وفي بعض الأحيان يكون التعصّب الرياضيّ ناتجا عن بعض الأسباب الاجتماعيّة وعدم اهتمام المنظّمين أو عدم كفاءة الشرطة والتي قد تدفع التعصّب إلى الانفجار والتّحوّل إلى أعمال العنف والشغب، ومن أسباب التعصّب الرّياضيّ أيضًا قلّة الوعي ووائل الإعلام والقيادة العشوائية غير الحكيمة لروابط المشجّعين، وعلى الرّغم من التفات المنظمّات المختصّة لهذه الظّاهرة في الملاعب وتمكّنها من تقليص الأضرار الناتجة عن التعصّب الرياضيّ، إلّا أنّ الهتافات الهجوميّة بين روابط المشجعين لا تزال شائعة حتّى اليوم (المصدر 3).

4- درجات التعصب:


يعد كتاب جوردن ألبورت Gordon Allport عن طبيعة التعصب الذي نشر عام (1954)، عملاً أصيلاً. له أهميته في هذا المجال، وقد أوضح فيه ان هناك خمس درجات للتعصب تبدأ بالتعبير اللفظي عن العداوة حيث يستحق المفحوص درجة واحدة، يلي هذا الرغبة تجنب أعضاء الفئة من الناس التي يكرهها الشخص وحض الآخرين على كراهيتهم لهذه الفئة، ثم الاعتداء البدني عليهم وأخيرًا تأتي رغبة التخلص منهم بالقتل بأي شكل من أشكاله، وهنا يستحق المفحوص خمس درجات على هذا المقياس.

إذن فدرجات التعصب كما حددها جوردن ألبورت هي:
التعبير اللفظي عن الكراهية.
تجنب التعامل مع أعضاء الفئة التي يتعصب ضدها.
حض الآخرين على الابتعاد عمن يتعصب ضدهم.
الاعتداء البدني.
الرغبة في التخلص من الآخر بالقتل.

5- مراحل تطور التعصب عند الطفل:


إن الأطفال الصغار يلعبون معًا دون تفرقة أو تميز; لكن الطفل وهو ينمو في مجتمعه يلاحظ تباعد جماعته عن الجماعة التي يتعصبون ضدها. ويصفونهم بصفات النقص والدونية. ومن ثم يصبح معدًا لكي يلاحظ الفروق ويدركهم، كمهددين لأمنه ومكانته

حيث يمر تعصب الطفل النامي بمراحل ثلاث :
مرحلة التمييز: ويقصد بها قدرة الطفل على التمييز بين أفراد الجماعات العنصرية المختلفة.
مرحلة التقمص: ويقصد بها انغماس ذات الفرد في الجماعة، التي ينتمي إليها وتوحده معًا.
مرحلة التقويم: وفي هذه المرحلة تظهر الاستجابات التي قد تشير إلى نوع من التعالي، أو إلى نوع من الشعور بالنقص، تبعًا للحكم الذي يشعر الطفل بأن المجتمع قد أصدره على الجماعة التي ينتمي إليها.

كما اتضح أن الطفل يمر بهذه المراحل في السنوات الخمس الأولى من حياته.

6- مكافحة التعصب:

1- مكافحة التعصّب تستدعي قانوناً:


إن كل حكومة مسؤولة عن إنفاذ قوانين حقوق الإنسان وعن حظر جرائم الحقد والتمييز بحق الأقليات ومعاقبتها، سواء ارتكبت على يد مسؤولين في الدولة أو منظمات خاصة أو أفراد. كما يجب على الدولة أن تضمن تساوي الجميع في الاحتكام إلى القضاء ومفوضي حقوق الإنسان أو أمناء المظالم، لتفادي قيام الأفراد بإحقاق العدالة بأنفسهم واللجوء إلى العنف لتسوية خلافاتهم.

2- مكافحة التعصّب تستدعي التعليم:


إن القوانين ضرورية لكنها ليست كافية لمواجهة التعصب في المواقف الفردية. فغالباً ما يكون التعصب متجذراً في الجهل والخوف: الخوف من المجهول، من الآخر، من الثقافات والأمم والديانات الأخرى. كما يرتبط التعصب ارتباطا وثيقاً بشعور مفرط بالثقة بالنفس والغرور، سواء كان شخصياً أو وطنياً أو دينياً. وهي مفاهيم تدرس وتعلم في سن مبكرة. لذلك، لا بد من التشديد أكثر من قبل على توفير المزيد من التعليم والتعليم الأفضل وعلى بذل جهود إضافية لتعليم الأطفال التسامح وحقوق الإنسان وسبل العيش الأخرى. ويجب تشجيع الأطفال، سواء في المنزل أم في المدرسة، على التمتع بالانفتاح والفضول.

لذلك، فإن التعليم لا يبدأ أو ينتهي في المدرسة بل هو تجربة تستمر مدى الحياة. ولن تتكلل مساعي بناء التسامح عبر التعليم بالنجاح ما لم تصل إلى مجمل الشرائح العمرية وتحصل في كل مكان: من المنزل والمدارس ومكان العمل وصولاً إلى مجال تطبيق القانون والتدريب القانوني، وأخيراً وليس آخراً إلى ميدان التسلية وعلى الطرق السريعة للمعلومات.

3-مكافحة التعصّب تستدعي النفاذ إلى المعلومات:


يصبح التعصب خطيراً فعلاً عندما يتم استغلاله لتحقيق الطموحات السياسية والأطماع بالأرض التي تنتاب أحد الأفراد أو مجموعات الأفراد. وغالباً ما يبدأ المحرضون على الكراهية بتحديد عتبة التسامح لدى العامة. ثم يطورون حججاً واهية ويتلاعبون بالإحصائيات وبالرأي العام من خلال نشر معلومات مغلوطة وأحكام مسبقة. ولعل الوسيلة الأنجع للحدّ من نفوذ هؤلاء المحرضين تكمن في تطوير سياسات تولد حرية الصحافة وتعددها وتعززها من أجل السماح للجمهور بالتمييز بين الوقائع والآراء.

4- مكافحة التعصّب تستدعي الوعي الفردي :



إن التعصب المتفشي في مجتمع ما هو الا حصيلة التعصب الموجود في أفراده. ويعتبر التزمت والتنميط والوصم والإهانات والدعابات العنصرية خير أمثلة على التعابير الفردية عن التعصب الذي يتعرض له الأشخاص يومياً. فالتعصب يولّد التعصب ويترك ضحاياه متعطشين للثأر. ولا يمكن مكافحة هذه الآفة إلا بوعي الأفراد للرابط القائم بين أنماط سلوكهم والحلقة المفرغة لانعدام الثقة والعنف في المجتمع. ويجب على كل فرد في المجتمع أن يسأل نفسه: هل أنا متسامح؟ هل أميل الى تنميط الأشخاص؟ هل أنبذ الأشخاص المختلفين عني؟ هل ألومهم على المشاكل التي أواجهها؟

5- مكافحة التعصّب تستدعي الحلول المحلية


يدرك معظم الناس أن مشاكل الغد ستأخذ طابعاً عالمياً يوماً بعد يوم لكن قلة تعي أن الحلول للمشاكل العالمية تبدأ بشكل أساسي على الصعيد المحلي، لا بل الفردي. فعندما نواجه تصعيداً في التعصب، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار الحكومات والمؤسسات لتتحرك بمفردها. فجميعنا جزء من الحل ويجب ألا نشعر بالعجز لأننا نملك، في الواقع، قدرة هائلة لممارسة نفوذنا. ويعتبر العمل السلمي إحدى الوسائل المؤاتة لاستخدام هذا النفوذ، أي نفوذ الشعب، إذ أن أدوات العمل السلمي كثيرة تتراوح بين رص صفوف مجموعة ما لمواجهة مشكلة مطروحة وتنظيم شبكة شعبية وإبداء التضامن مع ضحايا التعصب وتكذيب الدعاية المغرضة، وهي في متناول كل من يرغب في وضع حد للتعصب والعنف والحقد. (المصدر 4)

إذا يجب أن تهدف التربية من أجل التسامح إلى درء التأثيرات التي تولد الشعور بالخوف من الآخرين واستبعادهم. كما ينبغي أن تساعد الشباب على تطوير قدراتهم لإصدار الأحكام المستقلة وتحفيز التأمّل الناقد والتفكير الأخلاقي. ولا يجدر بتنوع الديانات واللغات والثقافات والتثنيات في عالمنا أن يشكّل حجة لنشوب الصراعات بل هو بالأحرى كنز تغتني منه البشرية جمعاء.

6- قصصي الشخصية مع التعصب:


التعصب الديني الذي كنا قد تحدثنا عنه سابقًا لذلك ليس هناك حاجة إلى أن نعيد شرحه سنكتفي بإعطاء تجربة شخصية كنت قد مررت بها منذ حوالي ثمانية أشهرٍ، أي في شهر ديسمبر الماضي حيث كنت أنا وأمي وأختي جالسين في حديقة المنزل، فتحدثنا على الحج والعمرة وقالت أمي: اه كم أريد الذهاب إلى بيت الله الحرام!

فرد عليها أخي قائلاً: اذهبي هذا العام.

فقالت له: لا أريد الذهاب لوحدي، لو نذهب كلنا معًا. أنتم تعلمون أن والدكم لن يذهب، لذلك أنا وأنتِ وإخوتكِ.

فقلتُ لها مازحةً: أنا لن أذهب، أنتم اذهبوا إلى السعودية. أنا سأذهب إلى كندا أو تركيا لقضاء عطلة الصيف، وضحكت.

فردت عليا أمي: ولماذا؟ هل هناك من لا يريد أن يزور بيت الله؟!

فقلتُ لها: نعم أنا كذلك.

قالت: ولماذا؟

فقلتُ: أنا أرى كل طقوس الحج طقوسًا وثنيةً في رأيكِ يا أمي، لماذا كل طقوسه كذلك؟ نرمي حجارةً!!

فقامت أمي، صارخةً تشتمني هي وأخي وطلبوا مني البقاء في غرفتي لوحدي، مدة يومين بدون هاتفٍ ولا أي شي كمعاقبةٍ لي على الكلام الذي قلته على الرغم من أنني لم أكن أقصد أي إساءةٍ، كنت أريد المناقشة ليس أكثر.

فبدلًا من أن تصرخ عليا وتعاقبني، كانت تستطيع الحوار معي وإقناعي بالذهاب معها على الرغم من أنها كانت تعلم أنني تكلمت بنيةٍ حسنةٍ.

كذلك التمييز العنصري الذي يعاني منه الكثير في كل بلدٍ تقريبًا، فلا يوجد بلدٌ يخلو من العنصرية، أيً كان نوعها. فأنا مثلًا كنت صغيرة، كنت أذهب في عطلة نهاية الأسبوع إلى بيت جدي في إحدى القرى، فمرتً ذهب جدي لسوق، وحين عودته وجدني ألعب مع فتاةٍ سوداء البشرة، قام بضربي وابعادي عنها، وقال لي صارخًا: لا تلعبي مع تلك الفتاة ولا تدخلي منزلهم أبدًا، استغربت من موقف جدي، هذه أول مرةٍ أراه هكذا!! لم أنم تلك الليلة وأنا أفكر في سبب ردة فعله تلك.

والدها رجلٌ صالحٌ، ووالدتها كذلك، فقلت ربما لأنها البشرة. ولكن خالي رجلٌ أسود البشرة وفي النهاية هي أيضًا إنسانة مثلها مثلنا، فقال لي: لا ليس لأنها سوداء البشرة بل لأنها من أصولٍ (حشانيةٍ) انتماء موجود بالجزائر. والحشاشنة قديمًا كانوا خدمًا عندنا و مازالوا لحد الآن خدمًا لن يتغيروا وذهب. لم يتركني أكمل الحديث معه، ولكن هذا التمييز والعنصرية الصادرة من جدي اتجاه الفتاة جعلني اصاحب تلك الفتاة في السر، ولحد الآن مازالت صديقتي المقربة، وهو لا يعلم بذلك.

أما فيما يخص التعصب الرياضي، فهو وارد كثيرًا مثل ما نشاهده في المباريات الرياضية، (التعصب اتجاه الجماعة). مثلا: فريق برشلونة وريال مدريد، هناك تعصب من كل جماعةٍ اتجاه الجماعة الأخرى. فنجد عند خسارة إحدى الفريقين يتعصب الفريق الثاني ويقوم بإطلاق اشاعاتٍ لا صحة لها حتى يبرهن أن فوزهم كان متفقٌ عليه. فمثلًا، يزعمون أن الحكم متحيزٌ لذلك الفريق الفائز.

حتى أن هناك حالات يصبح فيها شجارًا عنيفًا يؤدي إلى موت أشخاصٍ حقًا. طبعًا هذا ليس كل شيء فمازلت هناك عدة أنواع، من بينها: التمييز العنصري دعونا أيضًا نعطي مثال عنصرية، القوي ضد الضعيف، أحيانًا في بعض الشركات نجد المدراء يعاملون العمال معاملةً سيئةً تتمثل في تعنيفهم وضربهم، وحتى تحطيمهم معنويًا.

مدير الجمعية يقوم بضرب العامل، هل لأنه قوي البنية؟

أكيد لا، يضربه لأنه يعلم بحاجته للمال الذي يجنيه من العمل، يضربه لإدراكه أنه عاجز عن التصدي له نظرًا للحاجة له، كذلك بخصوص المرأة في بعض المجتمعات تتعرض للعنصرية، والتهميش فمثلًا: أنا أردت الذهاب والدراسة في الخارج إلا أن أهلي رفضوا الفكرة ولكن عندما أراد أخي المنقطع عن دراسته منذ خمس سنواتٍ والذي لا يعمل سوى الأكل والنوم الذهاب لقضاء عطلة الصيف في تركيا، سمحوا له. ليس هذا كل شيء، بل وأعطته أمي المال ليصرف على نفسه هناك، طبعًا، هذا ليس كل شيء، مازال هناك العديد من التجارب والأحداث التي توضح وتبين بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ التعصب والعنصرية
هل اعجبك الموضوع :
Hi there! My name is Ines and I am a content writer. I am passionate about crafting high-quality content that resonates with readers and engages them in a meaningful way. Through my excellent writing skills and attention to detail, I am able to take complex topics and transform them into easy-to-understand content that appeals to a broad audience. I have a wide range of interests and expertise, which allows me to write on a variety of topics, from technology to lifestyle and everything in between. With each piece of content I create, my goal is to deliver informative and engaging content that leaves a lasting impression on my readers. As a dedicated writer, I am committed to staying up-to-date with the latest trends and best practices in the industry. I am always looking for new ways to improve my craft and to deliver the best possible results for my clients. If you're looking for a skilled content writer who is passionate about their work, look no further than me - Ines!

تعليقات